التحول نحو نموذج القيمة المشتركة: دمج معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية (ESG) في التخطيط الاستراتيجي للشركات.
مقدمة: من التخطيط التقليدي إلى رأس المال الشامل
لطالما ارتكز التخطيط الاستراتيجي للشركات على محاور الأداء المالي التقليدية. غير أن الضغوط المتزايدة من المستثمرين، والمجتمع، والهيئات التنظيمية قد فرضت تحولاً نموذجياً: حيث لم يعد يكفي تحقيق الأرباح، بل يجب تحقيقها بطريقة مستدامة ومسؤولة. هذا التحول يتمثل في دمج معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية (ESG) في صميم الاستراتيجية، مما يجعلها عامل نجاح حاسماً بدلاً من اعتبارها عبئاً تنظيمياً. إن دمج هذه المعايير يمهد للتحول نحو نموذج القيمة المشتركة ($Creating\ Shared\ Value$), الذي يعرّفه مايكل بورتر بأنه خلق قيمة للمنظمة والمجتمع في آن واحد. يهدف هذا المقال إلى تحليل كيفية دمج معايير ESG في دورة التخطيط الاستراتيجي. يمكن الاطلاع على المزيد من النماذج الإدارية الحديثة عبر مدونة منصة مسار.
المكونات الثلاثة لـ (ESG) وتأثيرها الاستراتيجي
تُعد معايير ESG إطاراً ثلاثي الأبعاد لتقييم مدى مسؤولية الشركة وتأثيرها على الأطراف المعنية، وهي:
- **الجانب البيئي (E – Environmental):** يشمل استراتيجيات تغير المناخ، وإدارة الموارد (كالماء والطاقة)، والحد من التلوث. استراتيجياً، يقلل هذا الجانب من المخاطر التشغيلية والتنظيمية المستقبلية (مثل ضرائب الكربون).
- **الجانب الاجتماعي (S – Social):** يركز على علاقات الشركة مع موظفيها ومجتمعاتها، بما في ذلك حقوق العمال، التنوع والشمول، الأمن والسلامة، والاستثمار المجتمعي. استراتيجياً، يعزز هذا الجانب من ولاء الموظفين ويحسن من سمعة العلامة التجارية.
- **الحوكمة (G – Governance):** يتعلق بالقيادة المؤسسية، وهيكل مجلس الإدارة، وأجور التنفيذيين، والشفافية، والرقابة الداخلية، ومكافحة الفساد. استراتيجياً، تضمن الحوكمة القوية اتخاذ القرارات السليمة وحماية مصالح جميع المساهمين.
منهجية دمج ESG في التخطيط الاستراتيجي
لا يجب أن يتم التعامل مع ESG كإضافة سطحية، بل يجب أن تتأصل في كل مرحلة من مراحل التخطيط الاستراتيجي:
- **المرحلة الأولى: تحليل الأهمية المادية ($Materiality\ Assessment$):** تحديد قضايا ESG الأكثر أهمية لنموذج عمل الشركة وأصحاب المصلحة. على سبيل المثال، قد تكون إدارة المياه أهم لشركة مشروبات من شركة برمجيات.
- **المرحلة الثانية: صياغة الرؤية والأهداف:** دمج مقاييس ESG كأهداف استراتيجية عليا. فبدلاً من هدف مالي بحت، قد يكون الهدف: “تقليل البصمة الكربونية بنسبة X% بحلول عام Y مع تحقيق نمو بنسبة Z%.”
- **المرحلة الثالثة: التنفيذ وقياس الأداء:** تحويل الأهداف الاستراتيجية إلى مؤشرات أداء رئيسية (KPIs) قابلة للقياس والمساءلة على مستوى الإدارات. يجب أن يتم تتبع هذه المؤشرات بانتظام، تماماً كما يتم تتبع الأداء المالي. لدعم المشاريع التي تهدف لتعزيز الكفاءات في الحوكمة والاستدامة، يمكن الاستفادة من صندوق دعم المشاريع (AIA Fund).
- **المرحلة الرابعة: التواصل والشفافية:** إعداد تقارير سنوية شاملة (Integrated Reporting) تربط بين الأداء المالي والأداء المتعلق بـ ESG، مما يعزز الثقة لدى المستثمرين والمجتمع.
الخاتمة: الميزة التنافسية الجديدة
إن التحول لنموذج القيمة المشتركة ودمج معايير ESG ليس خياراً أخلاقياً فحسب، بل هو ضرورة اقتصادية للحصول على الميزة التنافسية في القرن الحادي والعشرين. الشركات التي تتبنى هذه الاستراتيجية تكون أكثر جاذبية للاستثمار، وأكثر قدرة على جذب الكفاءات، وأكثر مرونة في مواجهة الصدمات التنظيمية والبيئية. يتطلب هذا الأمر تغييراً في الثقافة المؤسسية والقيادة التي تؤمن بأن النجاح طويل الأمد يكمن في إحداث تأثير إيجابي على البيئة والمجتمع كجزء أصيل من رسالة العمل.
لمزيد من التحليل المعمق حول دور الاستدامة في مستقبل الأعمال، توفر قناة الأكاديمية العربية الدولية على يوتيوب محتوى تعليمياً قيماً.
